كتاب مُتقنَ، شامِل، كُتِبَ بمِبضع باحثةٍ خبيرة، وناقدةٍ بصيرة، أوسعُ بحثٍ تناول أربعة عشرة رواية، أعملتْ الدّكتورة أريج فيه قلمَها بعُمْقِ موضوعيّة، واستكنهتْ خَفِيّ الدّلالة، واستخرجتْ غائر المعنى، وأظهرتْ باطِن الإشارة، فإذا ما كُلُّ مُنكَرٍ من العِلم صار معروفًا. تذهبُ الباحثة إلى النّتيجة بعدَ استقراء عميقٍ، وتُدلّل عليه بأمثلةٍ مُستفيضة، وتُقيم ثنائيّات تتبيّن فيها الأشياء كالأضداد، وقفتْ عند لغة الروايات ومعجمها، وما غَمُض من رموزها، وأمالتْ أعناقنا لنرى ما لم نرَ في لغةٍ بحثيّة علميّة لكنّها رشيقة، ولفتتْ قلوبنا لنشعرَ بما لم نشعرْ في جائش العبارة، وتماهتْ مع أبطال الرّوايات الّذين استخرجتْهم من تحت رُكام السّطور وأوقفتْهم على أقدامهم أمامنا، وحاورتْهم، وناورتْهم، وكشفتْ أسرارهم، واستمعتْ إلى بوحهم حتّى بَكَوا بين أيديها؛ لأنّ روحَها خاطبتْ أرواحهم.
ثُمّ نظَمَتْ خيطًا رفيعًا لكنّه متين سَبَكتْ به نَصّها، وسكبتْ به مَتْنها، فوقفتْ على روابط مشتركةٍ جامعةٍ بين الشّخصيّات على اختِلاف ورودها في الرّوايات، وحلّلتْ تلك النّفسيّات تحليلاً لم يكنْ يذهبُ إليه الكاتب ولا الطّبيب لولا أنّها قالتْه. ثُمّ ذهبتْ إلى الأمكنة، فرسمتْها بريشة الكلمة كأنّنا نراها، وجلتْ عنِ الطّلول ما درس، وعن البِقاع ما غَبَر، فإذا نحن نقرأ لكنّنا نرى.
إنّه بحثٌ مُميّز، كأنّه مرآة، ترى فيها ما لم تكنْ ترى لولاه، واضحٌ كنهار، غامضٌ كضباب، جَلِيّ كنَبِيّ، خفيّ كنهاية.